-A +A
مي خالد
المحظوظ من سكان العالم سيصل لنهاية هذا العام دون أن تلطخ روحه كورونا، ربما هي لن تصيب الكثير منا فعليا بالعدوى، لكنها سكنت أرواحنا وعقولنا وعذبتنا شهورا طوالا.

كل ليلة رأس سنة جديدة يحتفل الناس بنهاية العام السابق ويعلنون نيتهم ببدء صفحة جديدة.


كنت أقول إن هذا التقليد سخيف لأن كل يوم هو فرصة للبدء من جديد، وإنه ليس علينا انتظار سنة جديدة كي نتغير ونصلح ذواتنا، وإن مجرد الرغبة في القيام بالتغيير هو سبب كافٍ، لكن التقويم بالنسبة لمعظم الناس هو تبرير مناسب. أما الآن وبعد الدرس القاسي الذي علمتني إياه كورونا أدركت أن الناس تحتفل بليلة رأس السنة لأنها حدود نعبرها معًا، باب نفتحه جميعًا، بوابة خيالية تلجها البشرية، حيث يمكن لأحدنا اختيار التخلي عن حياته القديمة وتركها وراء ظهره وإيجاد مغامرة جديدة وحلم طازج. أو أننا في أسوأ الظروف سنجد الوباء الذي سيوقف تدفق الحياة.

وبالرغم من عدد الدجالين والمتنبئين الكبير الذين يغزون شاشات التلفزة كل رأس سنة، إلا أنه لا أحد يعرف ما هو على الجانب الآخر من الباب حقا، لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سنجده بمجرد أن ندير المفتاح.

أصبح العالم اليوم مكانًا مختلفًا عما كان عليه قبل أشهر، حيث تتدافع حكومات العالم لكسب معركتها ضد جائحة فايروس كورونا الذي لا يزال يتزايد. نحن في حالة من الضياع الجماعي، نراقب بلا حول ولا قوة بينما يرتفع عدد الحالات في جميع أنحاء العالم إلى مليوني شخص، وتستمر الأخبار الدرامية حول اللقاح والعلاج، أغلب أحاديثنا تدور حول المرض وعن أدوات الحماية الشخصية، وأخبار الإمدادات الطبية التي قرصنتها بعض الدول واستولت على نصيب دول أخرى. تتفاقم المخاوف مع الدعوات للمسافة الاجتماعية التي تساعد في تقليل معدل الانتقال، وتتبع أخبار الوفيات والحلم بـ«تسطيح المنحنى»، وتخفيف العبء الخطير على طواقمنا الطبية، بينما تتفاقم مشاعر العجز والهشاشة الإنسانية.

تطلب من محدثك أن يتوقف عن هذا ويسكت. لكن صوت عقلك يعلو، يتساءل في أذنك بقلق عن ما إذا كانت الحياة ستبدو طبيعية مرة أخرى؟ يقول لك: من الصعب ألا تقلق بشأن ما سيبدو عليه العالم في الجزء الآخر من عمرك، ألا ترى ما يحدث في أمريكا الآن؟

ترد عليه: لكن هذا لا يعني تصديق مقولة «العالم ما قبل كورونا ليس هو العالم بعدها». كسينجر يبدو كمتنبئي ليلة رأس السنة حين أطلق هذه المقولة اليائسة، وأنت يا عقلي لا تيأس ولا تؤمن بالمؤامرة. تذكر ذلك جيدا.

كاتبة سعودية

may_khaled@hotmail.com

mayk_0_0@